الجمعة، 15 فبراير 2019

حب



نتيجة بحث الصور عن ‪LOVE‬‏

حب

في الأمس احتفل العالم بذكرى القديس فالنتاين الذي استشهد في سبيل المحبة و تزويج العشاق في زمن حكم فيه الرومان و فرضوا منع الزواج لأسباب سياسية و دينية تحت ظروف معينة ، تلك القصة بتفاصيلها تم تداولها – منذ القرن الثالث الميلادي - بمختلف الطرق و الأساليب لتنتقل من جيل إلى جيل بمفاهيم مختلفة و كلٌ صاغها بطريقته المبتكرة و المختلفة حتى ضاعت الحقائق بين طياتها ، كذلك كل ما يحدث اليوم أمامنا أو كل ما قد نسمعه قد يتم تناقله بطريقة مختلفة عن الحق و الحقيقة ليرتسم بصبغة ناقل الخبر أو على الأقل كما رأى هو الأمر من وجهة نظره الخاصة بحسب فكره و معتقده و خبراته الشخصية خلال ما عاصر من زمن و أحداث .
أما الحب أو المحبة فهي حق و حقيقة لا يمكن نكرانها مهما تشوهت في قلوبنا ، فالكلمة تحمل العديد من المرادفات و المعاني المختلفة لدى كل فرد بحسب فكرته الخاصة جدا عن الحب و هو الذي يرى بأنه هو الحق و الحقيقية ، فهل الحق نسبي ؟ أم هو حتمي و غير قابل للتغيير أو التحريف ؟

هل الحب حقيقة أم وهم ؟

ثمة أسئلة دارت في أذهان البشر و المفكرين على مدى العصور ، كما أن الحب ليس أمرا ماديا فعلا ولا هو عاطفي فقط بل قد نرى أنه يطبع بصمته فكريا و أخلاقيا بل و ينبع من عمق الروح التي هي أصل الحياة ، فإذا كانت الروح التي هي منبع الحياة هي أيضا منبع المحبة أيعني ذلك بأن المحبة تساوي الحياة ؟ ، كيف اذا ننكر المحبة حينما لا يمكننا أبدا أن ننكر الحقيقة الحتمية لوجود الحياة !؟ كيف يمكن فصل المحبة عن الحياة ؟ و لمَ قد نؤمن باحداهما دون الأخرى !؟

حب مشوه

كما أن الحياة تبدأ في رحم الأم كذلك فإن مفهومنا عن المحبة يتكون مع خلايانا الأولى التي تدب فيها الروح لتنقسم فتثمر و تكثر ، و لولا أن المحبة في الأصل هي حياة لما استطاعت الاثمار أبدا ، فكما أن الجنين في رحم أمه يستقي الحياة فيكبر في محبة و عطاء جسد الام و الأب له ، كذلك إن توقف ذلك العطاء أو توانى للحظات يتشوه النمو فلا يثمر بعد شيئا ليجهض الجنين قبل أوانه و كأنه لم يكن ولم تستقر أية حياة حقيقية فيه .
نعم ، تماما كما الحب المشوه الذي حول القداسة إلى نجاسة و الحياة إلى موت لا ينتج عنه لا اثمار ولا اكثار بل الكثير من الجروح و الألم ، و هذا ما يحدث كنتيجة طبيعية يوميا لكل من يحاول أن يفصل المحبة عن الحياة ، فكأنما هو يفصل الروح ليعيش بالجسد فقط ، ينتهي به الأمر بالحقيقة إلى أنه لا يجد بين يديه سوى جثة مشوهه هامدة لا حياة فيها ، و انه لمن الجنون تكرار الفعل ذاته متوقعين نتائج مختلفة في كل مرة لنصدم بقسوة الخبر من جديد فنتألم كما لو كنا لم نتألم قبلا و تخدعنا الشعارات اللذيذة التي سرعان ما تسمم أحشاءنا حتى الموت .

ميكانيكية المحبة

لمفهوم المحبة تعريفات كثيرة إلا انها تصب فقط في نهرين لا ثالث لهما الأول هو الحق و الآخر هو الزيف ، أما تلك الشعارات الرنانة التي تداعبنا عبر مراحل حياتنا فنظن أننا قد وصلنا إلى ما لم يصل إليه أفلاطون في زمانه فكلها تتراكم في قلوبنا مع الزمن و عبر مراحل نمونا لننمو إما بمحبة و حياة أو مشوهين تماما نطلب الماء من الآباء المشققة لنستقي منها بدل الأنهار الجارفة التي ندير لها ظهورنا بكل قسوة ظانين أننا أكثر حكمة من أن نصدق بأن المحبة أبسط بكثير مما نعتقد .


أحب نفسك أولاً

خدعة العصر الجديد التي باتت تباع على جميع الأرفف بأزهد الأثمان تلك الكذبة التي تتكرر يوميا بأن تخدع نفسك بحبك لها بينما أنت في الواقع تشحذ الأهمية و الاهتمام من الآخرين لينتهي بك يومك مفلسا من كل شيء حتى أبسط احترام كنت تدخره لذاتك ، ليس من الخطأ ان تحب ذاتك طبعا و لكن ما هي حقيقة حب الذات و من أين نستقيها و كيف تعمل ميكانيكية الحب أصلاً ، فهل شراؤك للمزيد من النفاية الثمينة هو دليل على حبك لذاتك ؟ هل تعني تلك الساعة الباهظة الثمن على معصمك أنك قد وصلت إلى النيرفانا ؟ هل منزلك الفخم الكبير هو دليل قاطع على أن نبع المحبة في داخلك لا ينضب كل ليلة ؟ ، ان كل تلك الماديات هي اهتمام خاص بالجسد دون الروح و هي في الواقع إهانة صريحة لنفسك بأنك مجرد وعاء جميل و فارغ في أعماقه من كل محتوى ، فما الفرق اذا بينك و بين الساعة الثمينة أو المنزل الفخم الكبير ؟ من منكما يحمل القيمة الأعلى و كيف و لماذا ؟ ، هل تعلم بأن رحيلك عن هذه الحياة قد يكون في أي لحظة و ستبقى تلك النفاية بعدك بنفس قيمتها المادية بينما لن تكون لك قيمة أكبر من تابوتك المزخرف المريح ؟ ، لأن الماديات بالماديات تقدر أما انت أيها الانسان فروحٌ و الروح بالروح فقط تقدر ، و من هو ذلك الروح سوى روح الحق الذي منه أتيت إلى هذا الجسد ، ذاك الذي أحبك أولا و ألبسك هذا الجسد بينما يعيش هو في أعماقك حباً و حياة ، ذاك الذي يعرفك جيدا و يعشق تفاصيلك التي لا تعرفها انت عن نفسك .. أحبك حتى الموت ، احبك حتى أنك لا تحتاج إلى حب آخر لتستقي منه لانه لا محبة حقيقية أخرى غيره فهو الحقيقة الوحيدة و هو الحياة ذاتها ، و بذلك الحب الذي يفيض به عليك تفيض انت بالمحبة الحقيقة لكل من حولك ، فتتحول تلك المحبة الإلهية إلى حب لزوجتك و عائلتك و أصدقائك و وطنك و أبنائك و عملك ، فكما أحبك الرب بحقيقة و صدق و فيض تتعلم أن تحب حتى من يخالفك و حتى من يضطهدك أو ذاك الذي لا يعرف المحبة فتريه انت المحبة التي استقيتها لتشفي جراحه ، كل أولئك الذين تشوه الحب لديهم قد فصلوا الحب عن الحياة و فصلوا الروح عن الجسد فأي شيء يجنون بعد ذلك سوى الموت و الألم ؟ ، أولئك كالموتى الأحياء يسيرون بيننا و ينفون كل ما هو جميل و كل ما هو حق لأنهم لم يعرفوا الحق و لم يستقوا الحب فهم في أمس الحاجة إليه ، هم في دوامة جحيم لا تنتهي ، في ألم شوق لا يهدأ لهيبه ، ذلك الألم يشبه ألم اللعبة التي تعرض للبيع على أرفف المحلات التي وان كانت في غاية الجمال و البهاء إلا أن روحاً لا تدب فيها أبدا و هي تعرض للبيع كل يوم حتى يصبح لها قيمة بينما هي لا قيمة لها فعلا في ذاتها إنما فقط في من يشتريها ليعبث بها لأيام ثم يرميها مع كل ما هو تالفٌ و لا حياة فيه ، فهل انت لعبة لتعرض نفسك للبيع حتى يقدرك أحد ما بثمن بناءاً على جمال غلفت به من الخارج فقط بينما لا حياة حقيقية فيك ؟ كيف تسمي ذلك حباً و انت تدرك تماما بأنه لم يعرف سوى شكلك و لونك و ملامح خارجية لم تخترها حتى ، كيف تصنف نفسك على أرفف للبيع لتكون سلعة لمن يقدرها بالمال و بالمال فقط !؟ بينما انت في الأعماق روح .. لمَ تنكر روحك ؟ لمَ تختار أن تموت و ما زالت الروح تصرخ بداخلك أن اتركني للحياة أحيا !؟ ، هل ترى الموت بقطع شرياني عن أن تسري من خلاله الدماء أم أن الموت أن اتنفس الهوان كل لحظة و انا انتظر ان يتم دفع ثمني لصاحب المتجر !؟ ، أي متعة هذه في اهانة النفس ؟ ليتم عنونتها لاحقا بـ "حب النفس " !؟ فكيف يعطي من لا يملك و كيف يحيا من لا حياة فيه ؟
عبثاً أحاول أن افتح عينيك أمام النور لترى كم هو حقيقي في وضح النهار ، إلا أن أجفانك قد أصابهم العطب ، فخوفك من أن تحرق بلهيب الشمس دفعك أن تعيش في صقيع الظلام و الموت للأبد ، ليس هناك ما يخيف في الحب أبداً ، فالحب و الخوف لا يمكن أن يجتمعان في قلب واحد كما أن النور و الظلمة لا يجتمعان أيضا ، لو أنك فقط فتحت عينيك و سلمت قلبك لمن فعلاً أحبك لما عدت تخشى ألماً فيما بعد .

أحـــبــــك

أوراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق