الأربعاء، 29 مايو 2019

خواء و كبرياء






في زحمة الماديات و الايدلوجيات يبحث القلب عما يرويه من محبة و اهتمام و سلام ، تلك العلاقات المختلفة في حياتنا اليومية و تلك الاوهام التي حيكت عنها ، لن أتكلم أكثر عن حب الذات الزائف الذي يدعوك أن تكون كوكبا يدور خارج المجرة واهما اياك بأنك محور الكون و يقف الكون رهن اشارتك ، بل تلك العبادات الوثنية التي تجلت بالهوى و الغرام و ما سمي عشقا يخفي تحته الكثير من الحرمان الروحي و الفراغ الداخلي .
هل تشعر بالوحدة ؟
اذا فابحث عمن يشاركك هذا الشعور لتتبادلا الشعور بالوحدة معا ، و كل ذلك الخوف من ان يتركك الاخر وحيدا وحدك ماهو إلا تعرية للألم الحقيقي ، فهل تدرك ألمك الحقيقي من الأعماق ؟ هل تدرك بأن آلاف العلاقات لن تبكم هذا الصوت المزعج بداخلك .. صوت الحق يرجوك أن التفت إليه ، فقد خلقت لتمنح الحب لا لتسلبه من اعجاب الاخرين بقشورك .
تميزي هو ما جعلني وحيدا
بل هو كبرياءك و ضعفك في الاعماق ، أما الضعف فهو وارد أما أن تلبسه رداء الكبرياء فلن يجديك ذلك نفعا ، بل سيزيد الطين بله ، كيف لك إذا أن تمنح الحب و أنت خال منه تماما ؟

ان الضعف في أعماقك سيذكرك بانسانيتك ، أما وهم "تأليه الذات" فلن يشفي غليلك بالنهاية بل سيزيد من احباطك ، لأنك لن تمتلك أبدا حكم الاخرين أو التحكم بهم أو سلب ارادتهم بل أنت بذلك تكون قد قيدت نفسك و فكرك و قيمتك بما لا يمكن أن يكون حقيقيا ، ليست أراء الآخرين عنك هي قيمتك ، لا بالايجاب و لا بالسلب ، أما أنت .. فمن أنت كي تحكم على الاخرين ؟ من انت لتظن أن ذنبك مغفور و خطاياك مبررة دون خطاياهم !؟




تستفزني تلك الخطابات كثيرا ، و اذكر حينما كنت غارقة في نفس الفكر يوما ما ، اذكر اني كنت استنكر بيني و بين نفسي تمجيد الاخرين لي على توافه الامور ، كنت أدعي –كما علموني- الايجابية و المثالية و كل ترهات العصر الجديد كما كنت أملك –بحسب ظنوني انذاك- كل الاجابات و الحلول فلا أحتاج أحدا ، و لكني كنت وحيدة رغم الزحام من حولي ، و كنت أخشى كل شيء و لم أكن أصدق أي شيء لأني خذلت كثيرا و جرحت كثيرا و نزفت كثيرا حتى ارتأيت أن ألملم ما تبقى مني لأعيش بنفسي مع نفسي و اتغذى على اعجاب الاخرين بأي صورة قد أقدمها عن ذاتي لهم .
تلك الساعة الباهظة الثمن على معصمك .. لمن ترتديها ؟ .. فخامة السيارة التي تقودها .. إلام قادتك فعلا ؟ ، هل اشتريت احترام الناس بحفنة أموال .. بقشور مظاهر ؟ ، هل انت تحترم من يسلك ذات المنهج في المقابل ؟
ما الذي حصل للبساطة ؟ اين دفنت ؟ .. اين باتت الحياة دون شبكة انترنت ؟ .. ثمة تواصل لا يحدث إلا بالقلوب .. فأين ماتت القلوب؟ و في أي قبر دفنت ؟
لم أظن يوما بأن التطور ذاك هو لعنة اجتماعية ، لكن الفكر البشري هو الذي يهوى التلاعب بشتى الطرق و لا بأس بطريقة جديدة و اخرى و اخرى أيضا ، فالأساس يكمن فيك انت .. أين انت ؟ و اين صرت ؟
عد إذا لتتأمل يومك و ابدأ من النهاية لترى بأنك غارق في ما لا تحتاجه فعلا و لا تطيقه ، فالحياة الوهمية التي نخلقها لنشبع شيئا من هوة الفراغ العظيمة بداخلنا لن تصبح حقيقة أبدا ، لأن حقيقة الحياة قد نكرناها و تركناها متجاهلين مسئولياتنا الحقيقية بأن نكون أشخاصا أفضل لنحيا الحياة التي قصدها الله لنا ، تلك المسئولية التي كلما تجاهلناها صرنا نراها عبئا أثقل من حقيقته ، ماذا لو تركنا الله يعمل فينا لينجينا بدل أن يجرفنا الكبرياء بعيدا عن ارادته؟ ، و انما هي ارادته ان ننمو و نكبر و نتقوى بمحبته هو ، المحبة الحقيقية من الإله الحقيقي ليست وهما أبدا ..بل يسقط كل وهم أمامها و يتلاشى ،هنا حيث لا شي سوى الحقيقة .. فتعرى أمام الله ليشفيك و ينجيك بدل أن تهرب منه ساترا خطاياك بالمزيد من كبرياءك ، هو النضج الحقيقي أن نعترف بأخطائنا و بضعفنا و هي  القوة الحقيقية. و الولادة الجديدة .



أوراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق